– كان لافتاً تركيز وزير خارجية السعودية عادل الجبير بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن الاستقالة إثر أزمة احتجازه في الرياض، على ما أسماه إخضاع الحريري لقبول قانون انتخابات يؤمّن الأغلبية لحزب الله وحلفائه، لكن اللافت أكثر الاهتمام الذي أولاه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال زيارته لبيروت للملف الانتخابي ومحاولة التعرّف على المشهد النيابي المتوقع في البرلمان الجديد، وتوازناته، وفرص التأثير عليها لصالح مَن أسماهم حلفاء واشنطن، ومساعيه مع رئيس الحكومة لردّ الاعتبار لتحالف قوى 14 آذار انتخابياً.
– اللافت أيضاً أنّ الصحافة الإسرائيلية دأبت منذ مطلع العام على إيراد النتائج المتوقعة للانتخابات النيابية في لبنان والعراق ضمن الأسباب الموجبة لتصعيد استباقي يخلق وقائع جديدة تغيّر التوازنات والمعادلات، قبل أن تجد «إسرائيل» نفسها في قفص محكم حولها سياسياً وعسكرياً يبدأ من لبنان وينتهي في إيران، والمشترك بين الكلام السعودي والأميركي والإسرائيلي هو الانطلاق من أنّ التوقعات لنتائج الانتخابات ترسم مشهداً للبرلمان الجديد لا توازنات هشة فيه كحال البرلمان الحالي، بل أغلبية واضحة لحلفاء المقاومة، تتيح التحكم بتسمية رئيس الحكومة وتوازناتها وبقائها ورحيلها، ولا يغيّر من الأمر أن يكون رئيس الحكومة الرئيس الحريري نفسه، لأنه سيكون رهينة الأغلبية التي تحمي بقاءه وبقاء حكومته. وهي أغلبية مستحيلة بدون حزب الله وحلفائه، كما تقول التعليقات والتحليلات السعودية والإسرائيلية، وكما قال تيلرسون في لقاءاته في بيروت.
– تقول دراسات التوقعات الانتخابية الرائجة في بيروت، بين مكاتب الأحزاب والقيادات، أنّ ثنائي حركة أمل وحزب الله الذي أعلن مرشحيه الحزبيين، والذي سيستكمل الإعلان عن حلفائه على اللوائح المعتمدة، خصوصاً لدوائر الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان، من دون احتساب ما سيناله التيار الوطني الحر سواء بالتحالف مع ثنائي أمل وحزب الله أو بالتحالف مع تيار المستقبل، سيكون قادراً على نيل مقاعده الحزبية المعلنة التسعة والعشرين ورفع الرصيد إلى الأربعين، بإضافة تستند لفوز مضمون بثلاثة مقاعد إضافية في بعلبك الهرمل، وأربعة في الجنوب بين جزين وصيدا ومرجعيون، وواحد في بيروت الثانية، وثلاثة مقاعد في زحلة والبقاع الغربي، ومقعد إضافي على الأقلّ في جبل لبنان، وتقول التوقّعات شبه المجمع عليها إحصائياً، أنّ الرصيد سيرتفع مع إضافة حاصل دوائر الشمال إلى ما بين خمسة وأربعين وخمسين، بإضافة ما بين أربعة وخمسة مقاعد في دائرة البترون وزغرتا والكورة وبشري، وما بين أربعة وستة في دائرتي طرابلس المنية الضنية وعكار.
– تقول الدراسات الإحصائية ذاتها إنّ التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق سيضيفون لهذا الرصيد كتلة تتكوّن من ثلاثة إلى خمسة نواب للطاشناق بين دوائر المتن وبيروت وزحلة، مقابل حصول التيار الوطني الحر على عشرة مقاعد في دائرتي كسروان جبيل والمتن على الأقلّ، وخمسة مقاعد في دائرتي بعبدا والشوف وعاليه، وما بين اثنين وأربعة مقاعد في بيروت الأولى، ومقعدين على الأقلّ في جزين، وما بين مقعدين وأربعة في دائرتي زحلة والبقاع الغربي، وما بين مقعدين وثلاثة في دائرة البترون زغرتا بشري الكورة، وما بين مقعد وثلاثة مقاعد في دائرتي طرابلس المنية الضنية وعكار، ليكون حاصل التيار والطاشناق معاً ما بين خمسة وعشرين وثلاثين مقعداً نيابياً.
– سيكون حاصل الحلف المكوّن حول المقاومة بكلّ قواه وتياراته حتى الواقفين من هذه القوى في مواقع متقابلة، كتيار المردة والتيار الوطني الحر، كافياً لتشكيل أغلبية نيابية وازنة تراوح بين سبعين وثمانين نائباً، بينما سيكون للكتل الوسطية القريبة من المقاومة كالنائب وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي قرابة خمسة عشر نائباً، ليصير لتيار المستقبل والقوات اللبنانية معاً لو تحالفا، ومعهما جميع مكوّنات قوى الرابع عشر من آذار التي طلقها جنبلاط بالثلاثة، ولا يمكن إعادته إليها، كما قال الحريري لتيلرسون، فرصة المنافسة على نيل ما بين الثلاثين والخمسة وأربعين نائباً، وهذا يعني وفقاً لكلام الحريري لتيلرسون تبلور كتلتين متخاصمتين، تسمّي من تفوز بالأغلبية منهما رئيساً للحكومة، أو ترضخ الأصغر للأكبر بما هو أقرب للاستسلام لنيل منصب رئيس الحكومة، كما سيكون التنافس على مروحة ما بين الثلاثين والخمسة والأربعين مشروطاً بالخيارات التحالفية انتخابياً فحظوظ تيار المستقبل بحصد مقاعد أكثر ستكون بالتحالف مع التيار الوطني الحر لا مع القوات اللبنانية وشركاء الرابع عشر من آذار. وعندها سيكون لتسمية الحريري لرئاسة الحكومة بعدٌ توافقي، من موقع الشراكة لا الضعف.
– هذا المشهد النيابي الذي اطلع عليه تيلرسون كان أحد عوامل الردع في تقرير مصير الضغوط على لبنان في ملف النفط، وتفهّمه لتضامن الحريري مع موقف كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، خصوصاً أنّ ما يبدو غير ممكن اليوم مع وجود رئيس للجمهورية حاسم وحازم في موقفه من التهديدات الإسرائيلية، لن يكون ممكناً بالمطلق مع مشهد البرلمان الجديد، كما استخلص بعض محاوريه. فهل سلّمت واشنطن بالمعادلات الجديدة أم ستحاول التأثير على المشهد الانتخابي بمزيد من التهديد المالي والدبلوماسي وتصعيد التهديدات والتعقيدات في الملف النفطي، بعد عودة تيلرسون إلى واشنطن ودراسة الوقائع مجدداً؟